المغادر بعد الإمتحان !



في ليل الإثنين -بعد ميلادي بيوم- أناخت رحال أفكار الفيزياء الكهربائية بعد صراع طويل، ونام كولومب برفقة جاوس، وبقيت وحدي أقلب عقلي على ما وجد وهو خال من الفيزياء، فسكن في داخلي خوف من امتحان الغد بالرغم من تحضيري الجيد له، والأدهى من ذلك  بُعد الموعد، حيث أنه كان في الساعة السادسة مساء، ولو كان في السادسة صباحا لوجد اليأس طريقا إلى قلبي وسيقود النوم لعيني التي احمرت من قلة النوم بدلا من التفكير في خطة الإنقاذ.

وضعت خطتي، وضبطت جوالين لموعد الصحوة، توجهت بعدها للكي بعد نفاذ الأدوية حتى أجبر رأسي المتمرد على النوم، والحمدلله نجح الأمر وقمعته.

لم أشعر بمحيطي لعدة ساعات، وغرقت في نوم عميق، راودتني فيه الأحلام عن الجامعة وشخصيات فيها ولكني لا أذكر تفاصيلها، حتى نهضت على النغمة الإفتراضية لمنبهات جوالاتي النوكيا، كانت الساعة 5:30 دقيقة، فأوقفت المنبهات منتظرا لإتصال تعودت أن يوقظني للصلاة، فلم أدري إلا أن ساعتي تقترب من التاسعة، فصدق المثل القائل: "من اعتمد على غيره...." !!!

قمت من النوم مسرعا أرتب نفسي للذهاب إلى الجامعة، فمحاضرة الفيزياء في الساعة العاشرة، وهناك محاضرة للغة الفارسية بالساعة الرابعة عصرا، ولكن النية باتت على عدم الحضور، والأعمال بالنيات, ولكل أمرء ما نوى...

خرجت من الشقة، أبحث عن تكسي يقلني، أو صديق أرافقه للجامعة، وبعد عناء انتظار طاول الربع ساعة خرج لي العم المخلص، وفي دائرة برتقالية على جانب سيارته كتب فيها "عبري، كان سائق التاكسي من عبري، منطقة العراقي، قال لي أول ما وضعت قدمي في سيارته: "هل تستطيع أن تدفع أجر ذهابك بنفسك ؟!".. فأجبت ودون تردد: "توكلنا عمي" ....  حاول أن يجبرني على التراجع، وهذه المرة الأولى التي أرى فيها سائق بإحترامه، فأعاد سؤاله بصورة أخرى: "هل تستطيع؟ لأني أعرف حالة الطالب" ... فأكدت له استطاعتي فتوكلنا على ربنا في طريقنا.

وصلت إلى الجامعة، مواقف مركز اللغات، والطريق طويلة لاستراحة الطلاب، فأخذت أسآئل نفسي طول الطريق بعض الأسئلة المتوقع رؤيتها في اختبار اليوم. وأثناء التفكير، اخترق صوت طالب طبلات أذني، فهو يفاضل بين الآيفون والجلاكسي واصفا الجلاكسي بالغباء مقارنة بالآيفون لأسباب لم يتسنى لي سماعها، فأنا في عجلة من أمري ولست متفرغا للتقنية حاليا.

وصلت إلى الإستراحة، وقبل أن أضع كتبي اتصل بي مهند، طالب يدرس معي مادة الفيزياء، ودعاني لوجبة الغداء الجامعية، وحسب الموروث العربي: "ما يرد الكريم إلا اللئيم"..

قضينا وقتا ليس باليسير في تناول وجبة الغداء الرسمية تحت سقف المباحثات الفيزيائية، فتحولت الصحون لمساحة جاوس، والملاعق لأسطوانات مشحونة، وتخيلنا المطعم وكأنه مختبر فيزياء، وانتهت المباحثات قرب الساعة الثانية ظهرا، أي أن هنا بدأ العد للإختبار بأربع ساعات تتآكل من طرفها !!

عدنا للإستراحة، وبدأنا نستذكر الدروس، وانضم إلينا العديد من الأصدقاء، حتى بدأ الإختبار، ولم أكن مرتبكا وقتها لأنني خلال الساعات الماضية امتلكت قدرا كافيا من الأساسيات التي ستؤهلني للحصول على علامة ممتاز في هذا الإختبار، ولم يخب حدسي، فعندما فتحت الورقة وجدت أن لا جديد فيها في المسائل، إلا جزئية واحدة في سؤال لم تصب فكرتها رأسي وقتها، فتركتها وذهبت لحل الإختياري المتعدد، وكان حوالي خمسة أسئلة منها كالسم في المعدة، ولكن كنت أرجح اجابة دون أخرى في كل سؤال استنادا على الخبرة المتوفرة فقط، وتركتها بدون دوائر، ولكني كتبت على طرف الإجابات الأرجح.

عدت لتلك الجزئية من السؤال المقالي، وكان وحي الفكرة يبحث عني بين جموع الطلاب ووجدني متأخرا، والمهم أنه وجدني، فترجمت الفكرة على الورق ولكن نسيت رقما واحدا، رقم (2) في مقام المسألة والذي ضاعف الناتج النهائي، وعسى أن تغفر زلتي !! وفجأة شعرت بيد تسحب ورقتي !! وخمسة أسئلة من الإختر لم أحدد اجابتها !! يا إلهي!! هذا الإختبار كان هدية، والآن هاهي تضيع من يدي !!

حاولت التفاهم مع الدكتور، وخاصة أنني كنت مرجح اجابات دون أخرى !! عسى أن أصيب في 3 منها !! ولكن الدكتور السوداني كان محنطا ومعلبا وغير متقبل للرأي الآخر فرفض أي شيء يفيدني كطالب، بل إنه غضب وأخذ يرفع صوته، تماما كما يفعل الجبابرة، لعنت ابليس وانسحبت بهدوء في وقت كانت الأعاصير تدور داخل قلبي لدرجة أنني تمنيت الموت وقتها معه ونلتقي يوم القيامة ليعجل الفصل بيننا !!

عدت إلى الشقة، يائسا بعد أن أضعت هدية كانت بيدي، داعيا على من لم يعطي الطالب فرصة لدقيقة، فحزمت أمتعتي، وتركت مسقط ومحاضرة الأربعاء ورائي ...


تعليقات

  1. تماما كما يفعل الجبابرة

    هههههه

    وكلها على الله,

    متابع لكم

    ردحذف
    الردود
    1. الحمدلله أنني لم أصور مشاعري بعد الإمتحان مباشرة , وإلا "رحت فيها وطي" ههههه

      حذف
  2. أذكر لي تعليق طويل في هذا الموضوع
    شكله اختفى :)

    ردحذف
    الردود
    1. لم أتصرف بأي تعليق !!
      لا تحرمنا من قرائته ^^

      حذف
  3. علّمني الفيزياء في الجامعة احترام الوقت بالثانية ، ففي قاعةِ الامتحان حتّى الثانية الواحدة تصبح لها قيمة "حاجة" .. تشحتها من الدكتور ولكن هيهاآت !
    إنها أشياء مُشتركة ، شكراً لتجربتك

    ردحذف
  4. استمتعت فعلا بقرأتها
    بوركت اناملك التي خطتها

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)