المشاركات

عميد الديكة

صورة
  رويّ في الأثر عن حديقة دجاج مبنيّة في احدى القرى القديمة، ولأن عقول دجاج هذي الحضيرة مثقفات، وواعيات بمدى الخطر المحدق بهن خارج القرية. مرت حضيرة الدجاج بالعديد من مراحل التطور الفكري والثقافي؛ ففي مرحلة دجاجية سابقة كانت الديوك توفر الطعام لأزواجها الدجاج عن طريق الهجوم على بيض دجاجات أخرى، واستمر هذا حتى اكتشاف البرسيم. إلى أن ظهر ديكٌ ذكي، ولمّ الدجاج حوله، ثم قاموا بقتل باقي الديكة في الحضيرة؛ فظهر عرفٌ جديد في الحضيرة وهو: ديك واحد يبقى حيا في الحضيرة. عند ظهور الديك الذكي كان الجدل الفلسفي القائم في الحضير ة حول بداية عصر الدجاج، وأكثر الأسئلة شيوعًا كان "من أتى أولًا، البيضة أم الدجاجة؟!"؛ فقام الديك بخطبة أسماها: "من لقَح البيضة؟!"، وطرح فيها ضرورة وجود الديك في أول ظهور للدجاج، ثم تعرجت الخطبة لتتحدث عن [ديك واحد يكفي لكل دجاج الحضيرة]، وأحقيته في قيادة الحضيرة كونه ديك يتنزل عليه الفكر كما ينزل المطر. قام العرف بعد هذي الخطبة بقتل كل ديك في الشهر الأول من حياته، وعند موت الديك العميد يتم عمل ساحة مصارعة، تتصارع فيه الديوك حتى الموت، ويقوم الديك الحي

مسرح بن عبادي

صورة
أول صورة بالألوان الكاملة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا-  عند نظرتي الأولى إلى الصورة التي التقطها التلسكوب "جيمس ويب" إلى عمق نقطة تبلغ ١٣.٥ مليار سنة في السماء، وبمجرد التذكر بأن رؤيتنا للمجرات من على سطح الأرض اليوم تعود إلى ماضٍ سحيق جدا من عمر المجرات الأخرى؛ تبادرت إلى ذهني فكرة أن الجمال الكوني قد نشأ قبل الوعي؛ فالفن ابن الطبيعة الأول. لحظة الانفجار العظيم هي الطبلة الأولى لانطلاق سيمفونية الصوت، والألوان، والتناسق، والضوء، والظل... وهي النقطة الأولى لكل الخطوط الممتدة من المركز، وإلى أطراف التمدد الكوني، وما قام به التلسكوب "جيمس ويب" هو محاولة لجمع كل الفنون الكونية في صورة واحدة، غارقة في الضوء، واللون، ، والسواد، والجمال. تمامًا كما يحاول حميد البلوشي فعله مع فريقه في معظم أعمالهم الفنية الأخيرة. الجمال ممتد على امتداد تنوع الفنون، و الموروث المادي، وغير المادي من كل ثقافات الأرض، والمبدع هو من يجد صياغة تجمع بين مختلف أنواع الجمال، وكما ظهر سابقًا مصطلح "أبو الفنون" للإشارة إلى المسرح كجامع لمختلف الفنون بدءً من النص الأدبي، مر

جاثوم

صورة
استيقظ محمد بن نفل من نومه صباح الجمعة على أثر كابوس مرعب، رأى فيه بأن مجموعة من الفتيات يحاولن حشره في طنجرة ضغط صغيرة، حلقه جاف، والغرفة مظلمة إلا من خيوط ضوء تتسلل من تحت الباب، أخذ يدير نظره حول الظلال الداكنة في الغرفة، "استغفر الله... استغفر الله..."، ثم بدأ ينفث عن شماله، ويمنيه، ومن فوقه، ومن تحته... جمع شتات نفسه، ثم قام بحذر لتفقد ظل صغير خلف ستار النافذة، تأكد أن الظل يرجع للستارة، وعاد إلى سريره. استلقى على ظهره، يحملق إلى السقف...  "هل هذا الذي أيقظني؟! لست مقتنعا... أتذكر جيدا لوحة حضن الشياطين -من أكثر اللوحات انتشارا في العصور الوسطى، كيانٌ شياطني خبيث في صورة ذكر، يغوي النساء في المنام، أو يغتصبهن... لكني ذكر أنا الآخر، وتهجم عليّ مجموعة من النساء لحشري في طنجرة!! كان جسدي مغطى بالظلام، وتبدأ النسوة بتحضير الطنجرة، كل شيء مظلم، عدا النسوة والطنجرة. كانت النسوة تصلي بصوت بشع للغاية ، يؤلم أذني. بعدها أدركت أن النسوة يحاولن وضعي في الطنجرة، ولست قادرا على التحرك، حاولت الصراخ بلا جدوى لفترة، وعندها شعرت باليأس، حتى بدت نقطة ضوء من انعكاس ضوء باهت على جدار

ّالصرّوخ

صورة
  صوت الصرّوخ، صوت الصيف، أو كما نسميه في عمان: "القيظ". كائنٌ لا يكف عن الصراخ، وكأنه غارقٌ في اللاجدوى من آلام الحياة؛ وفي انتظار جودو يقضي الصرّوخ صراخه بنغمة وحيدة، لا نشاز فيها، والنغمة الوحيدة في سياق حواريٍ مقطوع لا تُعرّف إلا بالعبثٌ الموسيقي، لا تحتمل المعنى، ولا الإنطباع، ولا المشاعر…  نغمة يعيش عليها الصرّوخ، حتى إذا شاخ تتقطع نغمته، ويتحشرج بألمها… لا أدري إن كانت النغمة حادة بما يكفي لجرح الصرّوخ من الداخل؛ فلا معنى للحشرجة سوى الجروح، ولا معنى للجروح سوى الحياة، ولا معنى للحياة سوى الصراخ، حتى الموت جفافا في مكان صراخه… ولكن (وبعد عام)، يبعث الصرّوخ في صيفٍ جديد كما تبعث العنقاء، على نفس الصراخ، على نفس الألم. صرّوخ على سدرة الوادي هائم في الصراخ حتى مماته ثم يصحو على صيف جديد ليكمل دورة الصراخ بعمرٍ طوله صرخة بنغمة واحدة لا تحتمل من المعنى سوى العبث.

متاهة (قصة قصيرة)

صورة
"- لو سمحت، هل بإمكانك أن تدلني على طريق الإنصراف من هنا؟! -هذا يعتمد بالدرجة الأولى على المكان الذي تريدين الذهاب إليه - لا أهتم كثيرا إلى أين أريد - إذن لا يهم الطريق الذي تسلكين". أليس في بلاد العجائب، الفصل السادس. -------------------------------------- أمام بيوت قديمة كثيرة، أمسى لون خشبها غامقاً ، تطل على مساحة مفروشة بالعشب، ومن ورائها أحراش مليئة بالأشجار؛ نصحها أبوها بأن تكتفي باللعب بطائرتها الورقية على مساحات العشب، وأن تبتعد عن الأحراش؛ فكل من ذهبوا إلى الأحراش لم يعودوا، أو عادوا وهم فاقدين لعقولهم. "في الحارة، حيث المساحة المفتوحة، تبدو الأشياء أكثر وضوحًا، أما هناك -في الأحراش- فكل شيء مبهم. لا يُعرف ما الذي يخبئه القدر لكِ خلف الشجرة القادمة". يقول لها أبوها. أما أمها فلا تكف عن النظر لها من شرفة البيت أثناء لعبها، خاصةً بعد أن سألت زهرة أمها: "كيف يعرف أبي كل هذي الأشياء وهو لم يزر الأحراش أبدًا؟!". تمتلك زهرة جمالًا طفوليا يجعل الآخرين يتجولون في زوايا لم يعرفوها قط من أنفسهم. كل من ينظر لها أول مرة يشعر بما يشب

وشاية المدرسة

لا يكاد أحد الطلاب يخطط لمقلب ما، حتى ما يتم استدعاؤه إلى مكتب المدير وتوبيخه. كيف يتم هذا في ظل نظام مراهقاتي طورناه خلال سنوات دراسية طويلة في المدرسة. أذكر ذات مرةٍ أنني قمت بكسر لوحة فنية معلقة على أحد ممرات المدرسة، لم يلاحظ هذا سوى طالب ساذج وضخم يسمى أحمد، قمت بالجلوس معه وإفهامه أن حديثه عما رآه أمام أحدهم قد يورطني مع الإدارة، وأنا الطالب الذي لم تتلطخ سمعته حتى الآن مع أي إداري في المدرسة. بعد أربع حصص تفاجأت بباص منطقتهم المتكدس بما يزيد عن ثلاثين طالبا يصرخون عليّ: "عرفناك أنت كاسر اللوحة". في اليوم التالي دفع الصف القريب من اللوحة عشرين ريالا [نصف ريال على كل طالب] كغرامة مالية على كسر اللوحة... حدث كل هذا دون أن ينبس أي أحد بأني من كسر اللوحة. كان حسونة هو أول المخبرين المتطوعين للإبلاغ عن الخطط المشاغبة في الصف، وتوسعت أعماله بعد ذلك لتشمل المدرسة ككل. حسونة هذا طالبٌ فاشل في جذب انتباه الطلاب، ولم يحقق أي أصوات تذكر في كل الانتخابات الصفية والنشاطية في المدرسة. فشل في أن يكون رئيس الصف، وفشل في تحصيل منصب في جماعات الإذاعة المدرسية والفنون والادا

أصابع قصيرة

مثقل بالنعاس والكسل. فتحتُ عينيّ بعدما رنَّ المنبه لنصف ساعة متقطعة. معدتي تصرخ وتبحث عن شيء ليسكت العصافير الغاضبة بداخلها، وشفتاي جافتان كصحراءٍ لم ترى سحابة منذ عقود. ما زلت بثياب سهرة البارحة -جينز وقميص أصفر-، ويمتدُ مني لونٌ أحمر لزق... نعم، إنه دمي ! قصدتُ الحمام لأنقع ثيابي في دلو من الماء وأنظف أسناني؛ فطعمُ لعابي حامض بسبب نومي الذي داهمني دون أن أغسل أسناني أو أبدل ثيابي. كانت ليلة كئيبة، قضيت أغلبها خارج المنزل. بَدَأَتْ مع غروب الشمس حين أرسلت لي حبيبتي: "لا أُحب الأصابع القصيرة". لم تشعر المجنونة بحجم النار المشتعلة بكلماتها الثلاث، ولم أرد على رسالتها. نظرتُ لأصابعي، ثم لبستُ الجينز وقميصي الأصفر وخرجت من شقتي. مشيتُ على غير هدى، لا أرى سوى أضواء الشوارع والأرصفة... حتى تذكرت الناس، رفعت نظري، فرأيت الناس في سوق الخوض يمشون وكأنهم عميان بفمٍ مفتوح على آخره، رائحة السوق تشبه إلى حد كبير رائحة تعفن ثلاجة غرفتي بعد إجازة دامت ثلاثة أشهر... مرضى، جميعهم بلا استثناء. بدأ الجميع بالزحف نحوي فور رؤيتهم لي، عظامهم تصدر صوتًا عند حركتهم كصوت بابٍ في بيتٍ قديم