منفى في رحم أم !!


كنت نائما، فإذا بصوت ناعم، ليس بالغريب، يغني: "قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة"، لم أكن أعتقد بواقعية الحدث، فالصوت وقت المنام لا يعدو كونه حلما، ولكن الصوت استمر لفترة طويلة، فتحت عيني، فإذا بفتاة جالسة جنب سريري، قمت بسرعة وجلست متمعنا في صفاتها، وزنها قرابة الخمسة والخمسين، وطولها يقارب السبعين، كانت الغرفة مظلمة ولا أستطيع أن أرى سوى ظلها، كان ظلا وسيما، يتصرف كما لو أنه كان وحيدا، أبديت صوتا ﻷحسسها بوجودي ولكنها استمرت على حالتها، لم أكن أمتلك الوقت الكافي لحوارها، فالغد مليء بالأعمال والإختبارات، اضطجعت ووضعت رأسي على وسادتي وعدت ﻷعيش صراعا مع نومي، حتى ما كدت أن أنام، أتتني، توقظني من نومي، وقالت لي: " حتى متى سأبتسم وأمنح الحياة لمن حولي وبداخل كل شخص مشاعر مرهقة يركنها في أعلى الرفوف، بعيدا عن عينيه؟؟".

- نظرت إليها وقلت: "من أنتي؟؟".
- قالت: "أنا لست سوى كومة من القهر، أهملها وطنها، فشردت في بطن أمي عشرون عاما، لا أعرف فيها سوى شخص واحد".
- سألتها: "ماذا تريدين؟؟".
- قالت: " أرشدك إلي، أنت من أهملك الشخص الواحد، وأهملتني".
- قلت: "حسنا، أرشديني إلى نفسك، لعلي أعرفك، أو أشعر بك"، توجهت لإضاءة الغرفة فوجدت وجهها جميلا لولا تلك الفلول التي تكسوه فسألتها: "شابة مثلك ووجه متثلم !! ما الذي حدث لك ؟؟".
- فأجابت: " خذت صراعا شرسا بهذا الوجه ضد كل من سولت له نفسه كبت حريتي، لم يقف أحد جنبي، واجهت آلاف العبيد في مدرج كان يضج ببضعة مليونا من المتفرجين، كان سلاحهم الطبل، فعريت وجهي، واستللت صوتي، كان صوت الطبول عاليا، فأبيت إلا أن أدحر صوتهن بصوتي، فصرخت بكل قواي: سوف أكون ما أريد. فرد علي الصدى: لن تكوني سوى ما يريد سيد العبيد.".

صمتت، وفي عينيها دمعة، مسحتها بدون اسئذان وطلبت منها أن تواصل، فأتبعت: "شعرت بوجهي يسقط أرضا أمام تلك الجموع، وفقدت وعيي ﻷصحى بعد ساعة مرمية أمام قصر سيد العبيد، سألت حراسه عن ما حدث فأجابوني بقرار نفي صدر بحقي، خرجت وعدت إلى بيتي، فتحت أقلب التلفاز متأملة في خبر يبهج النفس، فإذا بخبر عن تلميذ يهنىء مدرسة بمناسبة عيد المعلم، ومعلم يهنئ معلم مثله، ومعلم يهنئ مديرا، وطالب يسأل عن حكم الاحتفال بعيد الأم فيرد بالتحريم، عرفت بعد ذلك كله أن هذا ليس إلا اعادة لحلقة أخبار سابقة عرضت في نفس اليوم من السنة الماضية، أغلتقه، وفتحت الجريدة البيضاء أقلبها، وأثناء ذلك إذا بحارس يدق جرس الباب، خرجت ﻷرى من الطارق، فإذا بحرس سيد العبيد يقتادون أمي من شعرها، وفي يدهم قرار بأن أعيش طوال السنة منفية داخل رحمها الشريف، وأن أخرج ليوم واحد كمكرمة من قبل سيدهم !!".
 
- نظرت إليها متعجبا: "واليوم هو يوم حريتك الوحيد في السنة !!".
- أجابت بكل ثقة: "بل هو يوم عبوديتي الوحيد، هو يوم عبوديتي الوحيد."

خرجت وتطوي خلفها سجلا من الأحزان على قبولها الخروج في هذا اليوم، وما زلت أجهل لماذا خرجت !!؟ ولماذا أتت لترشدني إلى نفسها !!؟ وكيف أهملتها ؟؟!!

لا أعرف الجواب !!

تعليقات

  1. ابدعت "..

    ردحذف
  2. تعجبني كتاباتك ..لأنها تجعلني أفكر..وأفكر..أتناسى فيطفو التفكير مرة أخرى تلقائيا

    ردحذف
    الردود
    1. مرورك أعجبني أكثر، فمن الجميل أن أرى لما أزرع ثمرا.
      شكرا على مرورك أخي ^^

      حذف
  3. رائع ،، مبدع،، متآلق

    گتاباتگ تبهرني

    ردحذف
  4. م شاء الله... الله يحفظك منذر قرأت لك مرتين فقط بس بجد مغرمه بكتاباتك والله تعيش عالم ثاني ... وااااصل ياامبدع

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)