آثار العطر (2)

دقت ساعة البرج مشيرة إلى الساعة الثانية عشر، هنا تجد الطلاب في تيارين، تيار خارج من محاضرته هادئا أو لاعنا لورقة اختبار، وتيار يركض لا يرى شيئا سوى مقصده.
كنت من الصنف الثاني، وكل تركيزي منصب في طريقي لكي لا أتسبب في حادث، كما أن لساني مستعد للنطق بكلمة اعتذار لكثرة الاحتكاكات بالمارين، وعند عبور تقاطعات ممرات الذكور بممرات الطالبات اضطر لمضاعفة التركيز خوفا من وجود طالبة مستعجلة مثلي ونتسبب في حادث "تنعشل أغراض".
اقتربت من الصف، والساعة تجاوزت الثانية عشرة بدقيقتين، وقفت أمام الباب استجمع بعض الأنفاس ثم فتحت الباب..
لم يبدأ الدكتور درسه بعد، ونفسي يسابق نبضات قلبي المتسارعة، فالتأخر عن المحاضرة مرهق بعض الشيء، نفسيا بانعكاسات بدنية، نظرت يمنة ويسرة أبحث عن مقعد خال كي أجلس، فلم أجد سوى ذلك الكرسي المتطرف على زاوية الفصل، بحيث يصبح باب الاناث على بعد كرسي من يميني والشباب على يساري.

وضعت كتبي، وجلست، أخرجت ورقة خالية، وبدأت أشخبط وأضع بعض التصورات التي لا أستطيع أن أشرحها ﻷحد، وكل هذا محاولة لتهدئة روحي قبل البدء بمراجعة آخر درس في الوحدة، فالاختبار في آخر المحاضرة.

قاطعني أحد المخضرمين - طالب مليق- لينبهني بأن هناك كتب ودفاتر عليها صورة "باربي" على يميني،  تجاهلت الموقف وعدت لورقتي حتى أصبت بداء الملل، فتركتها في كتابي على أمل التخلص منها في أقرب مكان وفرصة.

فجأة وبدون مقدمات يصرخ الدكتور: " ماذا دهاكم ؟؟ سنبدأ الاختبار الآن.." !!
تتصاعد أصوات الطلاب احتجاجا على هذا التصرف، فالكل منهمك في مذاكرة المحتويات قبل الامتحان القصير، وهو الأمر الذي أدى بالدكتور للغضب والشعور بالتجاهل والتهميش من كل أفراد الصف تقريبا !!

لم أكن قد أنهيت دروسي بعد، وبالمقابل كعادتي، أرضى بكل شيء، ولا أعرف الندم اذا جرت الأمور عكس خطتي لأسباب خارجة عن ارادتي، استلمت ورقة الاختبار، والصف في حالة عصيان عن الطاعة والالتزام بتعليمات الدكتور الداعية للهدوء وعدم الاستعانة بصديق !!

كتبت كل ما أعرفه خلال دقيقتين، وبقي ما لا أعرفه متروكا لتفسيرات عقلي وخلفية ثقافتي العامة حول المادة.

سمعت من خلف الباب صوت فتاتين:
- سندخل.
- لا خلاص، بدأوا الامتحان.
- حرام خلينا ندخل.
- دخلي أنتي أول.
- لا أنتي.

دخلت احداهما، وأتاهما الدكتور.
- أين كنتما.
- خرجنا "لمشوار" ورجعنا.
- " يلا نبدأ الكويز".

أخذ الدكتور دفتر "باربي" ورماه على طاولتي، فتفآجأت: عفوا، هذا الدفتر ليس لي !!

مدت احدى الطالبات يديها، ففهمت الأمر، وأعطيتها دفترها، والطلاب من ذكورهم واناثهم يستغلون الوقت بالنقل والحديث والنقاش حول الاختبار.
جلست الطالبتين، وعدت إلى ورقتي، حتى يئست، رفعت رأسي فاذا باحدى الطالبتين المتأخرتين تفتح حقيبتها وتخرج ورقة من مذكرة المادة وتبدأ بالنقل. وهناك الجميع يتهافت على الغش !!


- أنا صاحب الكرسي المتطرف على زاوية الصف، حسنا، أنا بعيد عن هذه الأجواء الشاذة، أنا مختلف، أنا متميز، سأكون الوحيد الذي يحصل على درجته المستحقه مع من أنهوا دروسهم قبل دخولهم المحاضرة << كلها مجرد كلمات لتهدئة النفس.

 - لو لم يترك "العطر أثرا"، لما أخرجت ورقة لأشخبط فيها عند دخولي الصف، ولأنهيت آخر درس، سيكون الوضع مختلف !! << محاولة لتبرير الحدث.

انتهى الوقت، بدأ الدكتور يسحب الأوراق بغضب، وهو يحلف بأنه درجة الصف هي "صفرررر".

خرجت، أضحك كعادتي، فالطريق طويل بعض الشيء. 




(( نهاية الجزء الثاني، كتبته في مركز اللغات وعلى اليسار صعيدي يحاول التطفل )) 

تعليقات

  1. جميل جدا :)

    النهايه ما اوكيه
    اتوقع لأن السالفه ما خلصت
    استنتنج
    انه شي جزء ثالث صح ؟ :)

    ^____^

    تقبل مروري

    ردحذف
  2. نستنتج من القصة انه في بنات يغشن هع

    جميل ما كتبت

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)