بقايا نظر

مشكلة النظر معي لم تكن وليدة الجامعة فحسب، بل انها صفة ورثتها حياتي الجامعية من المرحلة الثانويةبعد المرحلة الثانوية قدمت شهادتي لسلاح الجو السلطاني لدخول اختبار القبول حتى أرى نفسي طائرا في بعض السموات، واجتزت اختبار القبول النظري ببساطة، ولكني انسحبت -حفاظا على ماء الوجهقبل الاختبار الطبي، والسبب كان قبولي في الجامعة والنظر.

لم ألبس النظارة رغم كل شيء .., لا أرى الطريق جيدا، لا أميز الوجوه من حوالي 15 متر، لا أرى الحروف على السبورة وإن كنت جالسا في الصف الثاني من الفصل !!

أذكر ذلك اليوم الذي شعرت فيه بالغضب ﻷن أحدهم استثار نظري، في بداية مرحلتي الجامعية طلبت مني "الاستاذةأن أقرأ من السبورة، وكنت في الصف الثاني من الفصل، فاعتذرت بعدم قدرتي على القراءة، وأصرت بأن أقرأ لأن كل شيء واضح ومقروء من نظرها .. وختمت حوارها بقولها: Anyway, I don't believe you.

لملمت كل الصبر والصمت من داخلي وأصبح هو نَفَسي في كل محاضرات هذه الاستاذة العمانية، كنت صامتا طوال محاضراتها، غير مهتم بها أو بمادتها، اشتريت أول نظارة لي خلال الفصل نفسه وارتديتها في كل مكان عدا محاضراتها.

شعرت بأنني أفعل اللاشيء بالاضرب الصامت الذي أمارسه، سألت نفسي التي طلبت مني أن أفعل كل هذالماذا أفعل هذا ؟؟ وأجابتني بأنني أسعى لأسمع صوت الاستاذة تعتذر !!
اذا الأمر أبسط من كل هذا !!

تحدثت مع أحد الشباب في الأسبوع قبل الأخير من الفصل حتى يذهب لها ويخبرها بسبب صمتي، خاصة وأنها دائما تبحث عن سبب لا تراه، ومن منطلق الوفاء الشبابي تقدم الصديق بكل ثقة وقدم مسرحية بعرض ممتاز لدرجة أنه "رحمني" -حسب كلامه-.
طلبتنا الأستاذة بعد ذلك واعتذرت ، ووقتها شعرت أني "فاضي وما وراي شغل-، وقدمت اختبار المادة وأنا لابس النظارة.


وفي أحد الأيام، انكسرت نظارتي قبيل اختبار احدى مواد الرياضيات الثمان التي ندرسها، أنا في الشقة، وأمامي ساعة ونصف قبل الاختبار ونظارة مكسورة !!
لا أُخفي أحدا استعدادي يومها بأن أفعل شيئا متهورا، وأُعيد المادة في فصل لاحق، ولكن المهم قداسة النظارة ومكانتها الطبيعية من حل الاختبار.
توجهت لمحلات النظارات، وكان "نظارات حشمتأسرعهم في تقديم الخدمات، ويحتاج ساعتين على الأقل لنظارة جديدة أو تبديل عدسات القديمة !!
سألته بأنني احتاج أي شيء لمدة ثلاث ساعات، فأخرج علبة العدسات اللاصقة كحل سريع وأخير لأزمة النظر، أخذت واحدة، شفافة لا لون لها، واستغرقت نصف ساعة حتى تلزق هي في عيني، اختبرت وكأن شيئا لم يكن.




لهذا السبب، وكل هذه القصص أنا محتفظ بكل نظاراتي على أي شكل كان، بالنظارة أرى كل شيء حاد ومركز في مكان واحد، وحدهم أصحاب النظارات يفهمون جيدا الفرق بين الحدة والضبابية في المشاهد.

أثناء رؤيتي لطالب أو طالبة بالنظارة الطبية أشعر بالانتماء لشيء لا أفهمه، السر كله في نظارة دخلت حياتي وجعلتني مهلوس بها وأشباهها، عدستان موصلتان بإطار بلاستيكي يُشعرنا بحدة الأشياء وأننا محسودون على الأقل من أحد الملتزمين الذي أبدى حسده بأصحاب النظارات بأنهم يملكون سلاحا لغض البصر، وهو "خلع النظارة".

تعليقات

  1. روووووووعه اخوي .... ربي يوفقك ... ما شاء الله مبدع

    ردحذف
  2. حلوة الحركة يوم قالت ما أصدقك!
    معقولة ما صادفت أبدا طلاب عندهم ضعف نظر ؟

    زين إنها اعتذرت في الأخير ^_^

    ردحذف
  3. حتى أنا مازلت أحتفظ بجميع نظاراتي التي استبدلتها
    وأصاب بهيستيرا ما إن فقدتها لثواني
    إنها عيني ،،تلك النظارة...
    جميل ماكتبت

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)