ضحية مرض وأشياء أخرى

في يوم من الأيام سألني أحد الأصدقاء وفي محور حديث عن حق الناس في تعلم أو قراءة الفلسفة: قام أحد طلاب المتخرجين من حوزة قُم بعمل بحث خارج –خارج علوم الدين-، وكان بحثه في الفلسفة ويجيب على السؤال "لماذا العذاب في الدنيا ؟؟"، يعني لماذا يولد طفل في أفريقيا ليعيش ساعتين ثم يموت جوعا ؟؟ أو يتعذب أطفال بعض الدول تحت القصف والموت.
محاضرته بعد خمس دقائق، ترك لنا سؤالا ورحل ... طفل يعاني الموت، لا ذنب له سوى الصراخ جوعا بعد ولادته، لماذا يستحق كل هذا العذاب القصير المميت في دنياه ؟


حسنا، لعل فرضية "تعرف الأشياء بأضدادها" تعمل هنا، فالعذاب كله موجود ليعرف الآخرون حجم الراحة التي يعيشونها، والبرودة موجودة ليعرف الانسان قيمة الحرارة، لكن ماذا لو ارتفعت الحرارة كثيرا ؟ سيحترق الانسان !! إذا لابد من حل يحاول الموازنة بين الحرارة والبرودة، لابد من المرض والخسارة ليتناغم هذا الكون مع نفسه واستمراريته.
قال لي أحمد الرمضاني مرةً بأن الحمى مؤشر ايجابي يصيب أجسامنا، فهي تدل على أن مناعة الجسم تقاوم شيئا ما بداخلها وتحاول أن تمنع حدوث الأسوأ، العذاب تماما كالحمى، ألم يجنبنا الوقوع في الأسوأ، ألم يحاول خلق نقطة الاتزان بداخل كوننا وحياتنا.

فكرت بكل هذا وأنا على فراشي صباح الثلاثاء الماضي، في الوقت الذي كان طلاب مادة الآلات الكهربائية يؤدون أول تجربة لهم، وأنا في مكاني، لا أستطيع الحركة، زكام وآلام بالصدر وصداع، كل شيء حاد حد العظمة، وأنا مكاني.
توجهت فور استيقاظي للكومبيوتر، كان مفتوحا على متصفح الكروم ! تركته يعمل طوال الليل !! رسلت رسالة لدكتوري بأني مريض ولم أتمكن من الحضور، أجابني بأن التجربة قد تمت وهي مرة واحدة فقط.
كان الدكتور قد أخبرنا عن كل القوانين التي تتبعها الكلية خلال الفترة القادمة، ومن بينها عدم قبول أي عذر إلا من مستشفى الجامعة، أو المستشفيات الحكومية، لا عداها، وهذا بسبب انعدام الثقة التي سببها بعض الطلاب من خلال شراء الأعذار الطبية من العيادات الخاصة !!
وأنا منذ تجربتي السلبية مع مستشفى الجامعة في سنتي الثانية لم أزر أي مستشفى أو عيادة، كل ما أفعله من ثلاث سنوات هو التوجه مباشرة للصيدلية وشراء الأدوية البعيدة عن وصفات الدكتور.

**********
في سنتي الثانية حضرت أحدى المحاضرات بمرضي المختبئ خلف ستار المسكنات، ومع نهاية المحاضرة زارتني الحمى برجفتها وصداعها، كان ذياب جنبي يحاول اقناعي بالخروج للمستشفى، صبرت حتى آخر المحاضرة، كنت لا أريد الذهاب للمستشفى ولكن اصرار ذياب دفعني لعدم الرفض ... دخلنا المستشفى ويستقبلنا الحارس:
- عفوا شباب، الحين المستشفى لحالات الطوارئ فقط.
- يعني تشوفه يرتجف من الحمى وواقف قدامك بمسكنات وبدونهن ما يقدر يتحرك، كيف يعني حالة طوارئ أكثر من هذي ؟؟
- كلامي واضح، المستشفى لحالات الطوارئ.
- أعلق ساخرا : ذياب خلا، ادعمني بسيارتك ممكن يدخلوني ... ثم نخرج لصيدلية بلقيس، وما زالت الصيدلية لليوم موفرة لوقت المستشفى لحالات الطوارئ، ووقتي أيضا.

********

كل ما في الأمر الآن أنني على المحك بخسارة 3% من درجات المادة، في حالة خسارتها فمؤمنٌ بأنها جزء من هذا العذاب الكوني وأنا ضحية تحقيق التوازن في صحتي وأشياء أخرى، وإن تفهم التقنيون وسمحوا لي بإجراء التجربة غدا فسأكون ضحية أوفر حظا من الأولى.

تعليقات

  1. رائع جدا
    و الاروع رضاك بالتضحية من اجل التوازن الذي تؤمن به

    ردحذف
    الردود
    1. تبن صديقي ،،
      كله منك وصلتني المستشفى ؟؟

      حذف
  2. سرد جميل وتحليل منطقي لمبدأ التوازن
    قصة محزنة قليلا .. ما تشوف شر

    ردحذف
    الردود
    1. ربي يجزيك الخير ... شكرا لمرورك أمييرة

      حذف
  3. ربماهناك حكم أخرى لم تعلمنا اياها الحياة بعد

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)