شفقٌ لا يَغرب، في الطائرة

لا يمكن أبدا لهذا الطفل، حرامٌ عليه أن يتجاهل سلامات الأطفال اذا كبر. قضى طفولته يُرسل سلاماته مع الطائرات، لم يلتفت له أحد من الركاب، ولم تصل سلاماته لأحد، حتى يئس، ولم يعد يلتفت للطائرات واليوم، يُبادل ذات الطفل دوره مع الأطفال، يطيرُ في طائرة، والأطفال على الأرض، يُلَوحون له، ولا يراهم.
ولكن... يجب أن أعذر نفسي والمضيفة عن حمل السلامات، فالأطفال بعيدون، والمضيفة مشغولة بخدمتي بأكواب القهوة والعشاء، وقفت تنتظر مني ما تبقى من العشاء، وأنا شارد الذهن والبصر مشغول بالخارج بحثا عن الأطفال، ومتأملا للأرض. ضرب رفيقي على كتفي -يُنبهني بقدومها-، نظرت لها وقالت:
- عفوا، هل أنتهيت من العشاء ؟!
- نعم ، نعم ، تفضلي.
- اعتذر، اضعت عليك تأملك للنجوم.
-النجوم هنا في الأسفل.
- هل تقصد أننا نُحلق مقلوبين ؟! هذا كلام مُخيف.
-نحن نُحلق كالعادة، لكن النجوم هنا هي المُدن، والسماء هي الأرض الآن.

ذهبت بابتسامتها التي لم تفارقها مُنذ رؤيتنا، وبقيت مكاني، شاخصا بصري للأرض، وأسأل الله مُضيفةً في الحياة.
الشفق لم يغرب، منذ اقلاعنا من مسقط في السابعة مساء وحتى موعد هبوطنا في الثامنة والنصف -بتوقيت السلطنة-، كالجمال هوَ، يظل مُسافرا معي، لا ينتهي مداه ما دمت طائرا مُحلقا معه. يجب أن لا نتوقف عن الحب، والعشق.
نزلنا للكويت، وابتسامة المُضيفة لم تفارق شفتاي، ابتسمت لرجال الأمن جميعهم وموظفي المطارات، وخاصة تلك التي ابتسمت لزميلتها بعد الختم على جوازي مُضجرة من عدد العمانيين الزائرين للكويت لأول مرة، ألتفتت لها مبتسما، ومبتعدا:
- عددنا عشرين، من جامعة السلطان لجامعة الكويت.

استقبلنا أحد موظفي جامعة الكويت على عتبة القادمون، سَلَمَ علينا بابتسامته، خفتُ من معرفته لسبب ابتسامتي، فغيرتُ شكلها. تأكد من عددنا، وقضى معنا بعضا من وقت الانتظار:
- اعذرونا، مطار الكويت صغير وزحمةوزحمة وقديم.
- حتى مطار عمان.

ضحكت بعمق، لا أعرف لماذا يتوجب على الأول الاعتذار بذم مطار الكويت، ولماذا كان رد الآخر بذم مطار مسقط بدلا من "لا عليك".
توجهنا لسكن الطلبة المُغتربين بجامعة الكويت، نُمت، والابتسامة على وجهي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)