سيجارة، تحت السد



تحت جدار سد الخوض الذي لم يسلم من التشكيك بقوته عند أول قطرة ماء تنزل من السماء على وجه طفلة باسمة ... جلستُ، مع صديقي المُدخن. لا أُخفي أحدا حجم اشمئزازي وشعوري بالحزن على كل سيجارة تموت بدون قضية، لذلك يجب عليَّ أن أغفر لصديقي كل سجائرة الميتة تحت قدميه، فكُل سيجارة تُمثل فكرةً شاردة من شعر رأسه، يُقربها من شفتيه استهزاءً بالعالم، ويأخذ رشفةً من دخانها محاولا البحث عن فكرته فيها –لا يجدها دائما-، ثم يُطلقُ دخانه في الهواء بيأسٍ ليلحق فكرته بالدخان، ويعكر صفاءها.

وحتى أُخلي مسؤوليتي أمام الله، والعالم، طلبتُ منه مرةً وحيدة أن يترك التدخين..
- على العالم أيضا أن يكف عن قيادة السيارات، فغاية الوصول لا تُبرر كونها السبب الرئيس للوفيات في أمريكا واستراليا وعُمان والكثير من دول العالم المُتقدمة، والنامية ! (يُجيب).

فتشتُ عن شيءٍ أقوله، فلم أجد إلا نجمة بعيدة أنظرُ لها، فقلت: 
- نعم! نعم! فعلى الأقل ... سيسمعُك العالم رقما مُضافا لضحايا التدخين، وستظل كلحن البحر المأسور في صدفة، يترنم بك الراقصون على هياكل المدخنين.
- لكن ... لكن جميعُنا هياكل لذلك المسرح، لأننا محسوبون على جنس الانسان.
- وهذا البؤس يحول الانسان إلى نكتة (مبتسما).
- نكتة حية، نعم، بالضبط.
- هي الحياة !! نعم الحياة .. التي أعطتنا كل هذا الكم من الحياة، أو الخيارات من المسارح لنكون جزء منها.

يصمت لوهلة، يوجه السيجارة لمدينة الخوض، ينطق:
- إذا ... سأختار زاوية المُدخنين في كوستا الخوض، سأقودُ منها ثورتي الفاشلة ضد أعدئنا.

أمعنت في أضواء الخوض، تُشبه النجوم، فأجبت:
- وأعدائكم أيضا، فاشلون بُسطاء، يعبدون صنما، صنعه لهم الحَداد - من التمر.

يكسرُ آخر سيجارة في يديه، يُردف:
- اللعنة على الحَداد، يُعطينا إلها نأكله إذا جعنا.

أُجمع حاجباي، أرمقه بهما..
- لحظتها ستصبح صفرا.. صفرا ضخما جدا، صفرا وحيدا.
- اللعنةُ عليك، ما الذي تريد؟

آخذ سيجارةً ميتة من الأرض، أرفعها أمام وجهه، أهمس:
- طبيب، يفرح عندما يرى مرضاه يتحسنون من عفن الحياة، النيكونين وصفتي لك.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)