ذاكرة سمكة
حقيبتي كعادتها، على ظهري، وفي يدي كيس بسكويت وعلبةُ حليب، وبداخلي شعورٌ
كبير بالحرية المؤقتة قبل بداية جدولي اليومي. على الكرسي الذي على يميني فتاة تتكلم
في هاتفها النقال، ويقابلني على الضفة الأخرى من البركة كرسيٌ مهجور، ورصيفٌ لا يفرغُ
من المارة، فهو الممر بين الجزء الغربي من الجامعة وعدد من السكنات الداخلية للفتيات.
على اليسار شابٌ يسرحُ بنظره في البركة الراكدة، راهنتُ البركة بنصفِ كيس البسكويت
بأن الشاب قادرٌ أن يحرك شيئاً ما داخل البركة –أي شيء-بحدة نظره، أمعنتُ النظر في
البركة آملاً بأن ألحظَ أي حركةٍ غير طبيعية فيها. فجأة، يحدثُ اضطراباً للماء بالقرب
من الضفة التي أجلسُ عليها، أرجعُ ببصري للشاب لأجدهُ قد بارحَ مكانه. ألفُ بعيني جهةَ
الفتاة ... ما تزالُ جالسةً في مكانها.

تظهر من بين الأسماك
سمكة كبيرة، تسبح بشموخ واتزان، تتناول بقايا البسكويت بكبرياء، لا تُخرجُ فمها على
السطح مثل باقي الأسماك. أُحركُ قدمي على الأرض –خارج البركة-، لتبتعدُ بسبب ذلك عن
الضفة بهدوء وحذر... لم تَعد !! وكأن سلوكها يقول بأن البركة أكبر من هذا الجزء المُزدحم
منها، أو كأنها السمكة الوحيدة التي تمتلك ذاكرة، ولا تُريد وضع مصيرها بيد الإنسان،
فالإنسان هو المُطْعِم والصياد القاتل –كما تَذْكُر-.
انتهى كيس البسكويت،
والسمك ما زال قريباً مني بفمٍ مفتوح، وأنا أراقبه حتى ضَعفُتْ دوائر الأمواج الصغيرة،
بدأ السمكُ بالاختفاء من أمامي، مزقتُ كيس البسكويت وحاولت أن أنثر ذراته المٌلتصقةَ
بالكيس في البركة، ولكن السمك لم يعد. كل شيء عاد إلى مكانه، البركةٌ هادئة.
يا إلهي، كنتُ أتحدث
عن السمك كأنه مٌلكي، والآن، لا أملكُ سوى قصة منتهية ليسَ لها أثر، لا شهود ... لا
أسماك ... ولا أمواج صغيرة، كلها اختفت. حتى خيبة الأمل، لستُ متأكداً منها ... اللاشيء
متعب !!
أشحتُ بنظري خارج البركة -باحثاً عن أي حركة-، يقابلني
كرسيٌ مهجور، ورصيفٌ لا يفرغُ من المارة، وعلى يميني كرسي خشبي، تجلسُ عليه سمكةٌ كبيرة
تتحدثُ مع شاب بجوارها يُطعمها البسكويت.
تعليقات
إرسال تعليق