سرير


في منتصف كل ليلة يعطرُ جسده وينظف أسنانه، ثم يتوجه نحو سريره، يأخذ لحفافه وينام... قبل أسبوع لم يعد هذا المكان سريرًا، بل تابوتًا... يتنظف، يتعطر، يكفن نفسه، ثم يستقيل من الحياة في تابوته، يترك وراءه دنيا عاهرة، هكذا يكون قد مات وارتاح وانتهى الأمر!

لحظة انطباق جفنيه يتذكرُ جميع أهله، أمه التي ستفتقده في الصباح على مائدة الفطور، أخوته الذين لن يجدوا أحد ليوصلهم إلى المدرسة، وأصدقائه المشتاقين إلى لسانه البذيء السليط ومشاكساته الفكرية... لا أحد يعلم بموته داخل هذا التابوت الآن... لا بكاء ولا نحيب، لا وعيد ولا تبشير -حتى ملائكة القبور نسوا تابوته!!
وفي الصباح ينهض من موته، لا يصدقُ عيناه؛ لأن جده أخبره بأن الأموات لا يعودون للحياة، وعندما مات جده زرع على قبره ورودًا؛ ليتأكد بأن هذا القبر مقفلٌ بالورود، وإذا فتحه أحدٌ -من داخل القبل أو خارجه- سيقلع هذا القفل.

على عكس قبر جده، كان تابوته ينفتحُ كل يوم كالبيضة، يمشي بين الناس متعجبًا من كل شيء، يشكُ في موته كما يشك في حياتهم... وهو -كالموتى- لا يشتكي أبدًا بأنه ميت، فَقَد لسانه الحاد بريقه، وصار يلمسُ روعة الروح في كل شيء يلقاه، نسيَّ واقعه الفوضوي وخوفه من النظام الخفي الكامن وراءه... هكذا بدت له الأشياء أقرب مما تبدو في واقعهم ... وعند نهاية كل يوم يعود إلى غرفته مندهشًا من هول الحياة، ويموت في تابوته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)