قطعة شوكلا

في أول قصة له بكتاب [المعذبون في الأرض] تحدث طه حسين عن طريقة أكل الولد الفقير صالح لقطعة حلوى حصل عليها من صديقه الغني قال: "خبأها تحت لثته"، أو ربما قال شيئا من هذا القبيل...
لم أقرأ من الكتاب سوى هذه القصة، وتمت سرقة الكتاب وتهريبه لعائلة أخرى، ثم تناقلته الشخوص حتى ضاع بين ركام أولاد حارتنا... تحضرني الآن هذه الصورة:

طفلٌ في السابعة من عمره يخبئ قطعة الشوكلا بين لثته وشفتيه لتدوم أطول فترةٍ ممكنة... تماما كما نفعل نحن باللحظات الجميلة، نحاول الإمساك بها واستهلاكها ببطء حتى ننعم بأطول قدر من الفرح والسعادة.
ربما لهذا السبب عشقتُ المشيّ من الخوض لسينما سيتي سنتر، أتابع فلما للأطفال ثم أعود، أو أمشي من الخوض لشاطئ السيب... كلا الطريقين يحتاج لساعة ونصف أو ساعتين من المشي للوصول، وهو نفس الوقت الذي أقضيه في السينما أو الشاطئ حتى أعود أدراجي لشقتي مشيا لمدة ساعتين.
المشاء يتلذذ بالطريق أكثر من وجهته، هذا ما يمكنك رؤيته من برنامج [المشاء] على قناة الجزيرة... الأسواق التي يزورها ذلك الفنان العربي المتواضع في فرنسا، أو الأرصفة التي عمرها ذلك الفنان برسوم طباشيرية... الوجهة مجرد قمة، تقف عليها وتنظر خلفك أو أمامك، حيث [طريقك] للصعود أو النزول...
الشوارع من الخوض لشاطئ السيب مزدحمة بالسيارات لدرجة أكاد أرى أناسا يلعنون فيفالدي وموسيقاه المذاعة على قناة [عمان كلاسيك]... وأنا أقطعُ طابور سيارتهم المزدحم راقصًا، وطروبًا بصوتي [المش جميل أصلا].

جميعنا نفتقر لشيء ما بداخلنا، جميعنا [صالح] الطفل الذي أجهض طه حسين اسمه بعملية قيصرية، لأنه وكما قال: "أراه في كل مكان" والاسم ليس مهما.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)