ديربي الباطنة

[لتكن البداية انسلاخية ... اسمع، كل ما سأذكره هنا لا يمت للانتماء الصحراوي بصلة، والمذكرة مكتوبة منذ سنة تقريبا في نوفمبر 2014...].




أنا لا أتابع المباريات، ولا أستمتع بها، ولكني أحاول بعض الأوقات أن أبدو كذلك عندما أستطيع فيها التحكم بظاهري.
سمعت بمباراة تسمى "الديربي" بين نادي صحار ونادي صحم، ستقام في مجمع صحار الرياضي في يوم يسمح لي فراغه بحشوه بأي شيء لا أحبه –كمتابعة مباراة من مدرج جماهيري مثلا-. أخوتي وأبناء خالي وجيراننا كلهم متحمسون منذ يومين لهذا اللقاء ’ الكروي ’، أظهرت الحماسة معهم بصورة ’ مبتذلة ’، كسفت ركبتاي بانحناءة بسيطة، ورفعت يديّ وقلت: "ييي ييي ييي " وأنا أحرك رسغاي بحركة دائرية.... "وابوي عليش" كان الرد المُبتذل الوحيد على حركتي الحماسية !!
قصدنا النادي أنا وأخوتي بسيارة والدي –بسبب حجز سيارتنا الأخرى في الشرطة-، التواجد الجماهيري والأمني كثيف حول المجمع الرياضي، وسيارات المشجعين تحتل مواقف وعدد من الشوارع في حارة سكنية قريبة.

افترقتُ عن اخوتي عند مدخل المجمع. على البوابة يتزاحم تيار كبير من الجماهير، خضت مع الخائضين في سبيل الحصول على أي مكان في المدرج. عبرتُ البوابة، على يميني رجال أمن ملثمين ويحملون في أيديهم عصي من الخيزران !! يا إلهي !! أتمنى ألا يلحق شيء منها ظهري.
توجهت لأحدهم وقلت له مبتسما: "صديقي، لو صار شيء سيء فأنا ربيعكم"... ابتسم من خلف قناعه مجيبا: "أنا واحد –في حال ما قررت أضربك-، لكن معي كثيرين... يعني... نتمنى ما يصير شيء". أطلقت ضحكة تعجب على ما يحدث. المُلثم لا يريد ضربي لمجرد حضوري المباراة، ما يعني أنه لا يريد أن يَضرُب أحد من الجمهور، وأغلب الجمهور لا يريد أن يُضْرَب بالعصي... لكن هناك شرارة بين هؤلاء الجماهير، وريحة غاز تتطاير بينهم، وعلى مكافحة الشغب عمل كل التدابير لمنع الاشتعال، أو إطفاء النار في حال اشعالها.

هناك تزاحمٌ آخر، على مدخل المُدرجات، ورجال الأمن يحاولون تفتيش أكبر قدر ممكن من الجماهير تجنبا للشغب –المُتَعَوَد عليه في "الديربي"-. دخلتُ المدرج بعد تفتيش يديّ وجيوب ثيابي، وللاحتياط مرَرَ رجل الأمن يديه على يديّ وقدماي "خوفا من ربط أي شيء فيـهما". قلتُ بحزم ساخر: "أنت الحين تضيع على نفسك أنك تمسك شخص يحمل مفرقعات في جيبه في وقت تفتيشك لي!"، فأجاب مبتسما: "أنت ينخاف منك بعد".

أي لعنة حَلت علي!؟ أنا الآن محسوب على الجماهير الصحراوية لديه، والجماهير تحمل المفرقعات في جيوبها، والشغب مكبوت في قلوبها !! هل يجب عليَ أن أصرخ بأنني لست منهم أولئك المهتمين بكرة القدم؟ أم أترك كل شيء يجري كما يجري مع أي أحد ؟؟ حسنا، ربما يجب عليَّ أن أسلك طريقا مُعَرف النتائج -طريق الجميع-، وهنا ضاعت ذاكرتي، ثغرة زمنية في المشاعر والذاكرة، حتى انفصلت مجددا عن الطريق، وبدأت (بنفسي) البحث عن مقعد للجلوس فيه.

جلستُ خلف مرمى نادي صحار في الشوط الأول، المدرجات مزدحمة، وكل مجموعة تتميز بنمط مُعين من اللباس أو التصرفات، وكل المجموعات تندرج داخل إطار واحد يجمعها: إما الأخضر الصحاري، أو الأزرق الصحماوي.

من بين الجمهور يجلس على يميني بشخصين مُشجع صحاري يحاول إظهار قره ومعرفته بكل شيء داخل نادي صحار، العقود مع اللاعبين، وأعمارهم، والعطايا العلنية، والسرية، ويتذمر من اللاعب الأجنبي وقيمة عقده... عند كلمة مُعينة لا أذكرها رأيته يشبه حشرة كافكا، حتى أصدقاؤه كانوا يبتعدون عنه، أو يحاولون اسكاته بطريقةٍ ما... هل كان مرض [المسخ] في الرواية يتحدث عن مرض يصيب الإنسان في لسانه وهذرته ؟! ربما!


بعد الشوط الأول خرجت من المدرجات لأني بدأت أرى تكرار الأشياء حولي، أشخاص يلعبون بكرة تذهب وترجع وتخرج وتدخل على فترات متقطعة، وجمهور يذهبون ويرجعون بأصواتهم مع الكرة... وبعد كل هذا الصراخ في الملعب لم يفز أحدٌ من الفريقين.



**الصورة من جريدة عمان**

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)