استاذ ناصر اختفى !

كان معلم الرياضة المدرسية الوحيد في المدرسة الابتدائية، وحده لا شريك له قائم على الفصول من الصف الأول وحتى الصف التاسع -مع أنه كان يتنازل عن بعض الصفوف الدنيا بسبب ضغط جدول حصصه-... هادئ جدًا لدرجة أنه لم يصرخ في وجهي رغم [استهتاري] في حصصه الرياضية لسنوات.
هو اختفى في حياته، لم أره منذ خروجي من المدرسة... ولكن كل ما كان يحدث في حصته لا يزال يحصل على مستوى القرى والولايات والدول !
كنت متعجبا طوال فترة دراستي من جديته في تدريس كرة القدم، والأعجب بأنني كنت أضحك طوال حصة الرياضة، وطردتُ من الملعب عدة مرات بسبب استهتاري بـ[الفوز والخسارة]... فأنا الحارس الذي يتكئ على عارضة المرمى، ويتعلق فيها غير مبالٍ بما يدور أمامه، أو بما يدخل ويخرج من هذا المستطيل المعدني المسمى بالمرمى!
======================
يأمرني استاذ ناصر كما يأمر المدربون لاعبيهم: "العب بجدية" ! ... فأمشي على حواف ملعب المدرسة أبحث عن شيء يسمى الجدية في هذه اللعبة !
======================
يطرح من سجله درجاتي كما تطرح الغيمة المطر حتى تختفي، ثم يقول: "ما بقالك شيء"... ولأن الفوارق بين أوائل المدرسة كانت بالدرجة ونصف الدرجة فقط كانت تجعل مادة الرياضة المدرسية السبب الأول في ابعادي عن المراكز الأولى المتقدمة في المدرسة...
======================
طلاب يفرحون بدخول الكرة، وآخرون يصرخون في وجه بعضهم ويحملون بعضهم مسؤولية دخول الكرة لهذا المستطيل... يتخاصمون لأيام ويفرحون لأيام بمجرد انتهاء المباراة بفوز طرف وهزيمة طرف !
في الصف السادس سألت المعلم سؤالا قرأته في كتاب يحتوي على آلاف الأسئلة والأجوبة:
- ما هي الدولتان اللتان تحاربتا بسبب مباراة كرة قدم؟! ... استاد متصور؟! يعني دوليتين صارت بينهم حرب بسبب مباراة !
- لا أعلم ... (يجيبني بتعجب)
- الإكوادور و "السفلادور"... (هكذا سميتها كما كنت أسمي تكريت بكتريت).

نتائج كل مباراة بعد هذي المعلومة كانت بالنسبة لي حربًا ضروس، كما أنني نجوت بأعجوبة بسبب توثيقي لحالة اعتداء حصلت في احدى الملاعب في صحار، خبأت ذاكرة الكاميرا في جيب أحد الأقارب، ووضعت أخرى جديدة لأقنع الجميع بأنني حذفت كل دليل يدين حالة الاعتداء... ولكني ضد حرب الألعاب ! وضد هذا العبط بكل أشكاله! وضد الجدية في اللعب !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)