[بحيرة القرم]

كانا جالسين على بركة الحديقة، يمر بجانبهما طفلٌ صغير من الجالية الهندية على دراجته، يبدو في السابعة، يغطي رأسه الصوف، ويلبس نظارة تغطي جزء كبير من وجهه.

ناداه، وأشار له بيده أن يجلس بجانبها... أوقف دراجته على جدار كورنيش البركة، وجلس بكل هدوء، ثم رمى كلمة بلغته الهندية. ابتسما بافتراض أنها تحية.

مد الرجل يده باتجاه البركة وهو يقول: انظرا، هذي البركة عبارة عن بحر صغير، احتوته هذي الأرض التي نسميها القرم... القرم هو شجر القرم المحمي هنا، و كما قرأت أثناء ثورة الجميلات في أوكرانيا بأن معناها الحصن في لغة التتار... الهواء هنا رطب في الصيف، وفي الشتاء هو بارد... بارد و... فقط... هل تعتقدان بأن القرم تعني الحصن؟ لا اعتقد ذلك، ربما مطرح ومسقط مليئتان بالجدران، والأسوار، والقلاع.... مسقط ومطرح هما القرم، والباقي عمان.

يميل بنظره إلى الطفل ويكمل: هل تعلم يا صديقي، أنا أحبك رغم أني لا أعرفك؛ لأنك تواجدت في لحظة جميلة أمام هذا البحر الصغير، بحرٌ في متناول الحديقة. نستطيع المشي حواليه في حين أنك تقود "سيكلك" الصغير هذا معنا... لقد جاءتني فكرة.

يلف رقبته لليمين -حيث تجلس هي-، كانت تتأمل ثلاثة ظلال رسمتها أجسادهم، وكأنها تحاول أن تحتويها بذاكرتها لتجمدهم في لوحة فنية سترسمها لاحقًا بإسم "ثلاثة ظلال، وحياة".

يقول مقاطعًا تفكيرها: ما رأيك أن نتبناه لساعة؟! نفترض أنه ولد صغير لا يستطيع الكلام، ونذهب به إلى ركن الألعاب !

تهز رأسها موافقةً... يعيد نظره للطفل على يساره ويسأله عن مكان والديه... يجيب الطفل بكلمات لم يفهماها وهو يشير إلى احدى زوايا الحديقة، ثم ينهض، يركب دراجته، ويذهب نحو الزاوية التي أشار لها!

- اللعنة! لا أدري كيف أتعامل مع هذا الجيل العاق لوالديه، لقد تبنيته منذ دقيقة، وهاهو الآن يهرب منا إلى أبوان لا نعرفهما.
تضحك هي، وتضربه على رأسه وهي تقول: اسكت، تأمل البحيرة بصمت، كف عن الهذرة لدقيقة، أو على الأقل لـ....

يقاطعها: القرم، شبه جزيرة القرم، فيها الكثير من الجميلات، رأيتهن في...
تقاطعه بصفعة على وجهه: اصمت، انصت إلى صوت البحيرة، انسى كل ما حولها من القرم والناس والعالم، فكر في البحيرة فقط.
يصمت خمس ثوان ثم يرد: البحيرة!! هناك قصيدة لشخص يدعى...اللا... لا مر... لامرتين... هكذا اتذكر اسمه، "التين غير المر"، أو "لا مر تين"... يقول لامرتين في قصيدته بأن الحياة تقذفنا بين الشواطئ، وهكذا فرقت الحياة بينه وبين حبيبته جوليا -اتذكر اسمها لأنه يشبه اسم المطربة جوليا بطرس-... انها قصيدة جميلة، ترمز الزمن بالتيارات، والسفينة بالحياة، والمرافئ بملجأ مؤقت حتى نبحر ثانية باحثين عن مرفأ آخر.
تنظر في وجهه بيأس وتقول: تأمل هذي البحيرة يا حمار، لم يطلب منك أحد تأمل قصيدة "التين غير المر"، تأمل بحيرة الحديقة.
يجيب فورًا: كانت هذي الحديقة ....
تقاطعه بصوت حاد: اللعنة عليك، تأمل البحيرة، وليس الحديقة... سأعيد كلامي بصورة أوضح... تأمل بحيرة الحديقة بدون الحديقة.
يصمت لخمس ثوان، ثم يسألها ان كانت تريد الذهاب إلى البيت، توافق وهي غاضبة... وفي الطريق إلى المنزل يتعمد أن يشغل "بحيرة البجع".






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)