مطر، وروح طالب.


أكتب العنوان ولا أدري أين البداية، هي تماما كالحياة، لا أعرف كيف وصلت هنا، فتحت عيني في يوم ما فوجدت نفسي حيا في مكان ما، في بيئة ما، لا أذكر البداية. هي كالحلم، فجأةً تجد نفسك في ساحة حرب، أو ملعب كرة قدم، وأنت تعي جيدا دورك في الحلم وما الواجب عليك فعله، هكذا هي المطالع، وهكذا وجدت نفسي في المطر.

صحوت صباحا، الجو جميل، الماء بارد عند الاستحمام، المطر ينزل، كنت أعرف تماما ما الواجب عليَ فعله، وهو التحضير لمحاضرة الاحتمالات في الثانية عشر مساء، جلست على الشرفة، لم يشدني الرذاذ، كان قلبي جامدا، أدرس احتمال سقوط قطرة ماء في كوب القهوة الذي تهتز فيه القهوة أمامي، شعرت بسخافتي فقمت ألبس الملابس الرسمية، وكالعادة: أصعب جزء من اليوم هو وضع "الكمة" على الرأس، أشعر أنها حاجة زائدة عني، لا أحتاج لها، وهي لا تحتاج لي، لكن الناس يحتاجونها فوق رأسي !!

ذهبت للجامعة، وكل طالب حولي يتحدث عن احتمالية تبني رحلة في هذه الأجواء "الخريفية"، وأكثر عبارة سمعتها: “بالله عليكم هذا جو دراسة ؟؟ \ كم محاضرة طنشت ؟؟ \ شو جدولك اليوم ؟؟".

دخلنا للصف مع الدكتور، يصفه الطلاب بأنه واحد من أهل أو أصحاب الزعيم القذافي، يأخذ منه الكثير، ويختلف معه في القليل من الأسلوب، حاولنا بأن نفهمه بأن الجو لا يصلح للدراسة بتاتا، وبأن "السكوت في حرم الجمال جمال"، تَفَهمَ الوضع وقال: “اللي وده يمتحن الحين يمتحن ويطلع"، قدمنا اختبارنا وخرجنا تاركين ورائنا الجامعة في المساء.

عدت لشقتي عند منتصف الليل، عند بداية البرق، وجدت المكان شبه مظلم، الكل شبه نائم، دخلت فوضعت رأسي على سريري، وضعت في أذني موسيقى هادئة أتذوق فيها الحياة، حتى لاح في عيني ضوء خاطف، فتحتها، الساعة تقترب من الواحدة صباحا، وما زالت السحب تسبح في السماء.

خرجت للشرفة، سمعت صوت رعدٍ قريب من قلبي، انتابني نوع من الخوف، ثم تسائلت:
    -الصاعقة تصل قبل الرعد، اذا لن أسمع صوت الصاعقة التي تقتلني أو تؤذيني.



سكنتني روعة البرق، تناسيت التفسيرات الفيزيائية، ففسرته بأنه تثاؤب الصبح النائم في حضن سحابة عابرة. تساقطت قطرات المطر، فتحت لها جبيني، ألهمتني القطرات طريقها للأرض، اتحدت مع روحي وطهرتها مما كانت فيه أول الصباح، انسابت فوق سهل خدي طمأنينةً وسكينةً، هي نفسها سكينة الحب المفقود، والعشق المدفون.
الحياة في هذه اللحظة مختلفة، حلقة ذهبية في سلسلة لحظات الحياة، قطراته تنسني الطين،تنسيني بعضا مني،تعرج بي برقا على صلوات الرعد، الأرض مُتوحلةٌ بالمطر، وعُصارة الحياة تتسرب من معاني السماء إلى روحي، تفصلني عن المحيط، هنا لا أتذكر سوى بضع حروف منفصلة، عبثية لا تعني شيئا، أُشكلها بخشوع الرعد وسناء البرق، فيتجلى اسم الله في قلبي.



======



تعليقات

  1. جميلٌ هو ما خطته أناملك ..


    ": حفظك الربُ ، وحرفك

    ردحذف
  2. اعجبتني الخاطرة جملة ً وتوصيفك للبرق خاصة.
    اتمنى لك مزيدا من التقدم وأن نرى اسمك مربوعا ً في إحدى الاعمدة ككاتب وما ذلك على الله بعزيز

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

متاهة (قصة قصيرة)

قطرة دم

موقف من الخوض (2)